الوقت الذي انتشرت فيه مواقع الزواج علي الانترنت وبرامج الفضائيات لتكون بديلا عن الخطية التقليدية التي عرفها المجتمع المصري حتي أواخر التسعينيات فمازال معدل العنوسة يتزايد في مصر حتي أن المراكز الاحصائية أخرجت تقريرا يؤكد أن عدد العانسات تجاوز أكثر12 مليون عانس من جملة عدد الشباب في مصر. الأهرام المسائي يطرح القضية للمناقشة من وجهة نظر علماء الدين في هذا التحقيق. في البداية يقول الدكتور محمود مهني نائب رئيس جامعة الأزهر لشئون الوجه القبلي انه جعل الله عز وجل من سنن الحياة التوالد فأراد تعمير الكون فخلق آدم ومنه حواء وبعد انجابهما أصبح الزواج سنة كونية إلي يوم الدين وإلي أن يرث الله الأرض وما عليها والله عز وجل جعل هذا الزواج سكينة ومودة ورحمة فعند بلوغ الشاب سنا معينة يميل إلي النوع الآخر فقال تعالي ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون سورة الروم
وأضاف الدكتور مهني أنه قد طرأ في الفترة الأخيرة ما يعكر الصفو ويتنكر للفطرة التي جبل المخلوقون عليها فأصبح هناك من يشبع غريزته بأي شكل من الأشكال الخاطئة وهذا ما يرفضه الإسلام جملة وتفصيلا ومن هنا كثرت العنوسة في الشباب والفتيات وكان من أسباب ذلك غلاء المهور والإسلام بين أن أكثرهن بركة أقلهن مهورا. والاعراض عن الزواج بسبب البطالة المتفشية في المجتمعات الإسلامية فلا يجدون مسكنا ولا مأمنا لإيواء الأسرة
وأوضح أن القبلية البغيضة المنتشرة بين بيئات المجتمع بحيث يفرضون علي الشاب أو الفتاة الزواج من شخص بعينه دون رغبة الفتي أو الفتاة وهذا منتشر للأسف في صعيد مصر حيث يقسم الناس إلي فئات.
وأشار إلي ان العلاج يكمن في اتباع نظام الإسلام والحض علي الزواج من المتدينات لا الأكثر مالا ولا جاها لقول الرسول صلي الله عليه وسلم فاظفر بذات الدين تربت يداك بالاضافة إلي اتباع منهج الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم من تزويج الشباب والفتيات من الأموال المأخوذة من الأغنياء لصالح الفقراء مطالبا بتخصيص جزء من زكاة المال التي تحصل من الأغنياء لمساعدة الشباب والفتيات علي الزواج للحد من نسبة العنوسة وهذا دور رجال الأعمال.
وذكر الدكتور مهني ضرورة تلبية الرغبة الفطرية مع الرغبة الفعلية بحيث نلاحظ أن نسبة كبيرة من الشباب والفتيات يفضلون العلم علي الزواج ولكن الاسلام أمرنا أن نأخذ قول الله تعالي ولا تنس نصيبك من الدنيا محذرا من انسياق الشباب والفتيات وراء العلم مما يؤدي إلي ارتفاع سنهم وعدم ايجاد الزوج أو الزوجة المناسبة بعد الوصول إلي هذه السن مما يؤدي إلي الاصابة بحالة من اليأس بالاضافة العواقب الوخيمة المترتبة علي الزواج في سن متأخرة.
وأكد الدكتور مهني أن الفقر ليس حجة لعدم الزواج كما رأينا من فقراء اغتنوا بعد الزواج والدليل علي ذلك قول الله ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله
ومن جانبها أكدت الدكتورة إلهام شاهين الاستاذة بكلية الدراسات االإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر أن العنوسة ظهرت في مجتمعنا لعدم تطبيق كل ما جاء في الشريعة الإسلامية بخصوص القضاء علي هذه الظاهرة أو منع حدوثها من الأساس فبالنسبة للشباب قال الرسول صلي الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج....
فهناك كثير من الشباب لديهم القدرة علي الزواج ولكنهم يعرضون عن الزواج لأسباب عديدة منها جهلهم بالأحاديث التي تحث علي الزواج كقول الرسول صلي الله عليه وسلم شراركم عزابكم وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي الزوائد وهو رجل كان قادرا ماديا وبدنيا علي الزواج ولكنه لم يكن يتزوج فقال له عمر ما يمنعك من الزواج إلا عجز أو فجور
وأضافت الدكتورة إلهام شاهين أن ظهور الفواحش وكثرة العري والإعلام الإباحي أدي إلي إحجام كثير من القادرين علي الزواج عن عفة أنفسهم بما يرضي الله بالاضافة إلي عدم تمسك الأهل والتزامهم بتعاليم الشريعة الإسلامية في الزواج مما أدي إلي تفاقم هذه المشكلة والله عز وجل يقول في كتابه وأنكحوا الايامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم وقوله صلي الله عليه وسلم إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه فالأهل الآن لا يتقبلون فكرة زواج إبنتهم من شاب فقير ولا يبحثون أصلا عن الدين كأول شرط أساسي للزواج ولكن تسبق المادة والقدرة علي نفقات الزواج والكماليات الشرع عند الأسرة.
وأشارت إلي أن هناك من الشباب من لا يتقدم إلي الزواج خشية من فقره أو ضيق ذات يده ويغفلون عن قول الرسول صلي الله عليه وسلم ثلاثة حق علي الله عونهم.... وذكر منهم الناكح يريد العفاف وقد قال أبو بكر رضي الله عنه أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغني
وذكرت ان الامثال الشعبية تمثل جزءا من ثقافة المجتمع وتؤثر تأثيرا كبيرا في ردود الأفعال واتخاذ القرار منها المثل الشعبي القائل امشي في جنازة ولا تمشي في جوازة وهذا المثل مخالف تماما لما جاء من أحاديث وردت عن الرسول صلي الله عليه وسلم منها ما من شفاعة أحب إلي الله من السعي في تزويج المؤمنين وقول علي رضي الله عنه أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتي يجمع الله بينهما ومؤكدة أن هناك أسبابا ترجع إلي الفتاة نفسها في هذه المشكلة منها الطموح والتطلع لتحقيق شروط مبالغ فيها وأحيانا مطالبتها بزوج ذي مركز مرموق لتعيش في مستوي راق بالاضافة إلي عدم قدرة الفتاة علي اتخاذ القرار بالزواج في الوقت المناسب وعدم تواصلها هي وأهلها مع الأهل والأقارب والجيران وعدم اختلاطها بالمجتمع
وقالت الدكتورة إلهام ان الشرع لا يمنع المجتمع والناس من المساهمة حل مشاكل المجتمع في التزويج وهناك في بعض كتب الأحاديث باب يسمي استحباب السعي في التزويج ولكن أن يتخذ البعض من مشاكل المجتمع وأزماته التي يعانيها ذريعة لتحقيق مكاسب مادية واستغلال تلك المشاكل للنصب والاحتيال علي الآخرين فهذا مالا يقبل في الشرع ولا يجب أن نسهم في تحقيقه.
وناشدت المؤسسات المدنية والاجتماعية العودة إلي المنهج الإسلامي في التكامل الاجتماعي بأن نسعي بصورة عملية في حل هذه المشكلة.
بالمساهمة في حصر الشباب والفتيات الذين لم يتزوجوا كل في موقعه ومحاولة التوفيق بينهم والمساهمة بصورة فعلية في اعانتهم علي الزواج بالاضافة إلي أن رجال الأعمال عليهم دور هام في ذلك بأن يشترطوا في تعيين الشباب بأن يقوم بعقد قرانه بعد عام من عمله علي أن يتبرع صاحب العمل للشاب الذي تزوج بإعانة تخرج من زكاة ماله علي هذا الزواج.
في نهاية هذه السطور لا يبقي إلا أن أقول أن العنوسة ظاهرة تهدد المجتمع بأسره وتؤدي إلي انتشار الفاحشة والرذيلة بالاضافة إلي لجوء الشباب والفتيات إلي أي طريقة من أجل ألا يفوتهم قطار الزواج حتي لو كان ذلك علي سبيل سعادة أحد الطرفين.
ولا ننسي أن نطالب المجتمع بتضافر جهودهم للحد من هذه الأعداد المتزايدة لهذا الفك المفترس العنوسة وضرورة رجوع أولياء الأمور والفتيات بوجه خاص إلي المنهج الإسلامي في اختيار الزوج حتي لا يحدث مالا تحمد عقباه وهو ارتفاع سنها وتصبح عانس كما يقولون!